الفحص السريري للعمود الفقري القطني: دليل شامل
يعتبر فحص العمود الفقري القطني امتدادًا للفحوصات التي تجرى على الفقرات العنقية والصدرية، ولا يمكن تقييم هذه المنطقة بمعزل عن بقية العمود الفقري. فالاختلالات في الفقرات القطنية قد تؤدي إلى مشاكل تعويضية أو ثانوية في مناطق أخرى من العمود الفقري أو الحوض. وفي كثير من الأحيان، قد تنشأ الأعراض التي تبدو وكأنها صادرة من المنطقة القطنية من هياكل مجاورة. لذا، فإن المبادئ الأساسية التي تم ذكرها سابقًا لتقييم العمود الفقري العنقي والصدري تظل ذات قيمة كبيرة في تقييم اضطرابات المنطقة القطنية.
أهمية الفحص الشامل للعمود الفقري القطني
نظرًا لأن اضطرابات العمود الفقري القطني غالبًا ما تسبب ألمًا في الحوض أو الورك أو الفخذ، فإن التقييم الشامل لهذه المنطقة يتضمن عادةً فحص هذه المناطق. يتم تفصيل جوانب هذا الجزء من الفحص في فصول أخرى، ولكن سيتم التنويه إليها هنا. فالفحص السليم للعمود الفقري القطني لا يقتصر على هذه المنطقة فقط، بل يشمل تقييم تأثيرها على المناطق المجاورة. يجب أن يكون الطبيب على دراية كاملة بالتشريح الوظيفي للعمود الفقري القطني وعلاقته بالحوض والأطراف السفلية لفهم طبيعة المشكلة بشكل صحيح. الفحص السريري الدقيق هو مفتاح التشخيص الصحيح وتحديد خطة العلاج المناسبة.
الفحص الظاهري للعمود الفقري القطني: نظرة من الخلف
كما هو الحال مع بقية العمود الفقري، فإن الموقع الظهري للعمود الفقري القطني داخل الجسم يجعل المنظر الخلفي هو الأفضل للفحص الظاهري. عند النظر من الخلف، يظهر أخدود طولي في معظم المرضى يمتد على طول الخط الأوسط من العمود الفقري الصدري إلى العجز. تمتد النتوءات الشوكية للفقرات القطنية أسفل مركز هذا الأخدود، وتظهر كسلسلة من النتوءات المتباعدة بالتساوي في الأفراد النحيلين. عادة ما يؤدي الانحناء إلى الأمام عند الخصر إلى جعل أطراف النتوءات الشوكية أكثر وضوحًا ومرئية.
عضلات الظهر الموازية للعمود الفقري (Paraspinous Muscles)
على كل جانب من النتوءات الشوكية، يوجد عمود محدب من العضلات. يتكون هذا المحيط الخارجي من الجزء الأكبر من كتلة العضلات الموازية للعمود الفقري. يُعرف العمود الأكثر سطحية من هذه العضلات مجتمعة باسم عضلات الظهر الباسطة (Erector Spinae)، أو العضلة العجزية الشوكية (Sacrospinalis). تنقسم عضلات الظهر الباسطة طوليًا إلى ثلاثة مكونات. من الأنسي إلى الوحشي على كل جانب، هي العضلة المتعددة الفروع (Multifidus)، والعضلة الطويلة (Longissimus)، والعضلة الحرقفية الضلعية (Iliocostalis).
- العضلة المتعددة الفروع (Multifidus): تقع في الجزء الأعمق والأقرب إلى العمود الفقري، وتلعب دورًا هامًا في استقرار الفقرات القطنية. ضعف هذه العضلة قد يساهم في آلام الظهر المزمنة.
- العضلة الطويلة (Longissimus): تمتد على طول العمود الفقري وتساعد في تمديد الظهر والانحناء الجانبي.
- العضلة الحرقفية الضلعية (Iliocostalis): تقع في الجزء الوحشي من عضلات الظهر الباسطة وتساهم أيضًا في تمديد الظهر والانحناء الجانبي.
فحص هذه العضلات يتضمن تقييم حجمها، وتناظرها، وجود أي تشنجات أو ألم عند اللمس. يمكن أن يشير عدم التناسق في حجم العضلات إلى ضعف أو ضمور في أحد الجانبين، مما قد يكون مرتبطًا بمشاكل عصبية أو هيكلية.
تقييم نطاق الحركة في العمود الفقري القطني
يشمل تقييم نطاق الحركة في العمود الفقري القطني قياس قدرة المريض على الانحناء للأمام والخلف، والانحناء الجانبي إلى اليمين واليسار، والدوران. يمكن إجراء هذه الحركات بشكل نشط (بجهد المريض) أو بشكل سلبي (بمساعدة الفاحص). يساعد هذا التقييم في تحديد القيود في الحركة وأسبابها المحتملة، مثل تشنجات العضلات أو تصلب المفاصل.
نصائح عملية لتقييم نطاق الحركة
- الانحناء للأمام: يطلب من المريض محاولة لمس أصابع قدميه مع الحفاظ على استقامة الركبتين قدر الإمكان. يتم قياس المسافة بين الأصابع والأرض.
- الانحناء للخلف: يطلب من المريض الانحناء للخلف قدر الإمكان. يتم تقييم مدى الحركة وجود أي ألم.
- الانحناء الجانبي: يطلب من المريض الانحناء إلى الجانبين، محاولًا لمس الركبة بيده. يتم تقييم مدى الحركة على كلا الجانبين.
- الدوران: يطلب من المريض تدوير الجزء العلوي من الجسم إلى اليمين واليسار قدر الإمكان مع الحفاظ على ثبات الحوض.
ملاحظة: يجب تسجيل أي ألم أو قيود في الحركة أثناء التقييم. يمكن أن توفر هذه المعلومات أدلة قيمة حول سبب المشكلة.
الفحص العصبي للعمود الفقري القطني
يهدف الفحص العصبي إلى تقييم وظائف الأعصاب التي تنشأ من العمود الفقري القطني. يتضمن هذا التقييم اختبار القوة العضلية، والإحساس، وردود الفعل الوترية العميقة. يمكن أن يشير أي خلل في هذه الوظائف إلى ضغط على الأعصاب أو تلف في الحبل الشوكي.
عناصر الفحص العصبي
- القوة العضلية: يتم اختبار قوة العضلات الرئيسية في الأطراف السفلية، مثل عضلات الفخذ والساق والقدم. يتم تقييم القوة على مقياس من 0 إلى 5، حيث 5 تمثل قوة طبيعية و 0 تمثل شلل كامل.
- الإحساس: يتم اختبار الإحساس للمس الخفيف والألم والاهتزاز في مناطق مختلفة من الأطراف السفلية. يمكن أن يشير فقدان الإحساس أو التنميل إلى ضغط على الأعصاب.
- ردود الفعل الوترية العميقة: يتم اختبار ردود الفعل في الركبة والكاحل. يمكن أن تشير ردود الفعل المفرطة أو الغائبة إلى مشاكل عصبية.
ملاحظات هامة حول فحص العمود الفقري القطني
- يجب أن يكون المريض مرتاحًا وواعيًا أثناء الفحص.
- يجب شرح الإجراء للمريض قبل البدء.
- يجب مراقبة تعابير وجه المريض أثناء الفحص لتقييم مستوى الألم.
- يجب توثيق جميع النتائج بدقة.
- قد تكون هناك حاجة إلى فحوصات إضافية، مثل الأشعة السينية أو التصوير بالرنين المغناطيسي، لتأكيد التشخيص.
إن الفحص السريري الدقيق والشامل للعمود الفقري القطني هو حجر الزاوية في تشخيص وعلاج مشاكل هذه المنطقة. من خلال الجمع بين الفحص الظاهري، وتقييم نطاق الحركة، والفحص العصبي، يمكن للطبيب الحصول على معلومات قيمة لتحديد سبب المشكلة ووضع خطة علاج فعالة.